الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
/ والذين توسعوا من الشيوخ في سماع القصائد المتضمنة للحب، والشوق، واللوم، والعذل والغرام كان هذا أصل مقصدهم. ولهذا أنزل اللّه للمحبة محنة يمتحن بها المحب فقال: وكثير ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته، ويدعي من / الخيالات ما لا يتسع هذا الموضع لذكره، حتى قد يظن أحدهم سقوط الأمر وتحليل الحرام له، وغير ذلك مما فيه مخالفة شريعة الرسول، وسنته، وطاعته، بل قد جعل محبة اللّه ومحبة رسوله الجهاد في سبيله، والجهاد يتضمن كمال محبة ما أمر اللّه به، وكمال بغض ما نهى اللّه عنه؛ ولهذا قال في صفة من يحبهم ويحبونه: ولهذا كانت محبة هذه الأمة للّه أكمل من محبة من قبلها، وعبوديتهم للّه أكمل من عبودية من قبلهم، وأكمل هذه الأمة في ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كان بهم أشبه كان ذلك فيه أكمل، فأين هذا من قوم يدعون المحبة؟! وفي كلام بعض الشيوخ: المحبة نار تحرق في القلب ما سوى مراد المحبوب، وأرادوا أن الكون كله قد أراد اللّه وجوده، فظنوا أن كمال المحبة أن يحب العبد كل شيء، حتى الكفر والفسوق، والعصيان، ولا يمكن أحدًا أن يحب كل موجود، بل يحب ما يلائمه وينفعه، ويبغض ما ينافيه ويضره، ولكن استفادوا بهذا الضلال اتباع أهوائهم، فهم يحبون ما يهوونه كالصور، والرئاسة وفضول المال، والبدع المضلة، زاعمين أن هذا من محبة اللّه، ومن محبة اللّه بغض ما يبغضه اللّه ورسوله، وجهاد أهله بالنفس والمال. /وأصل ضلالهم: أن هذا القائل الذي قال: إن المحبة نار تحرق ما سوى مراد المحبوب قصد بمراد اللّه ـ تعالى ـ الإرادة الدينية الشرعية التي هي بمعنى محبته ورضاه، فكأنه قال تحرق من القلب ما سوى المحبوب للّه، وهذا معنى صحيح، فإن من تمام الحب ألا يحب إلا ما يحبه اللّه، فإذا أحببت ما لا يحب كانت المحبة ناقصة، وأما قضاؤه وقدره فهو يبغضه ويكرهه ويسخطه وينهي عنه، فإن لم أوافقه في بغضه، وكراهته، وسخطه لم أكن محبًا له، بل محبًا لما يبغضه. فاتباع الشريعة، والقيام بالجهاد من أعظم الفروق بين أهل محبة اللّه وأوليائه الذين يحبهم ويحبونه وبين من يدعي محبة اللّه ناظرًا إلى عموم ربوبيته، أو متبعًا لبعض البدع المخالفة لشريعته، فإن دعوى هذه المحبة للّه من جنس دعوى اليهود والنصارى المحبة للّه، بل قد تكون دعوى هؤلاء شرًا من دعوى اليهود والنصارى، لما فيهم من النفاق الذين هم به في الدرك الأسفل من النار، كما قد تكون دعوى اليهود والنصارى شرًا من دعواهم، إذا لم يصلوا إلى مثل كفرهم، وفي التوراة والإنجيل من محبة اللّه ما هم متفقون عليه، حتى إن ذلك عندهم أعظم وصايا الناموس. ففي الإنجيل أن المسيح قال: (أعظم وصايا المسيح أن تحب اللّه بكل قلبك وعقلك ونفسك)، والنصارى يدعون قيامهم بهذه المحبة، وإن ما هم فيه من الزهد، والعبادة هو من ذلك، وهم برآء من محبة اللّه، إذا لم / يتبعوا ما أحبه، بل اتبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم، واللّه يبغض الكافرين ويمقتهم، ويلعنهم، وهو سبحانه يحب من يحبه، لا يمكن أن يكون العبد محبًا للّه، واللّه ـ تعالى ـ غير محب له، بل بقدر محبة العبد لربه يكون حب اللّه له، وإن كان جزاء اللّه لعبده أعظم، كما في الحديث الصحيح الإلهي عن اللّه ـ تعالى ـ أنه قال: (من تقرب إلى شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إلى ذراعًا تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة). وقد أخبر ـ سبحانه ـ أنه يحب المتقين، والمحسنين والصابرين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، بل هو يحب من فعل ما أمر به من واجب ومستحب، كما في الحديث الصحيح: (لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به) الحديث. وكثير من المخطئين الذين اتبعوا أشياخًا في الزهد والعبادة وقعوا في بعض ما وقع فيه النصارى، من دعوى المحبة للّه مع مخالفة شريعته، وترك المجاهدة في سبيله ونحو ذلك، ويتمسكون في الدين الذي يتقربون به إلى اللّه، بنحو ما تمسك به النصارى من الكلام المتشابه، والحكايات التي لا يعرف صدق قائلها، ولو صدق لم يكن قائلها معصومًا، فيجعلون متبوعيهم شارعين لهم دينا، كما جعل النصارى قسيسيهم ، ورهبانهم شارعين / لهم دينًا، ثم إنهم ينتقصون العبودية ويدعون أن الخاصة يتعدونها كما يدعى النصارى في المسيح، ويثبتون للخاصة من المشاركة في اللّه من جنس ما تثبته النصارى في المسيح وأمه، إلى أنواع أخر يطول شرحها في هذا الموضع. وإنما دين الحق هو تحقيق العبودية للّه بكل وجه، وهو تحقيق محبة اللّه بكل درجة، وبقدر تكميل العبودية تكمل محبة العبد لربه، وتكمل محبة الرب لعبده، وبقدر نقص هذا يكون نقص هذا، وكلما كان في القلب حب لغير اللّه، كانت فيه عبودية لغير اللّه بحسب ذلك، وكلما كان فيه عبودية لغير اللّه كان فيه حب لغير اللّه بحسب ذلك، وكل محبة لا تكون للّه فهي باطلة، وكل عمل لا يراد به وجه اللّه فهو باطل، فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان للّه، ولا يكون للّه إلا ما أحبه اللّه ورسوله، وهو المشروع، فكل عمل أريد به غير اللّه لم يكن للّه، وكل عمل لا يوافق شرع اللّه لم يكن للّه، بل لا يكون للّه إلا ما جمع الوصفين، أن يكون للّه، وأن يكون موافقًا لمحبة اللّه ورسوله، وهو الواجب والمستحب، كما قال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. فلابد من العمل الصالح، وهو الواجب، والمستحب، ولابد أن يكون خالصًا لوجه اللّه تعالى، كما قال تعالى: وهذا الأصل هو أصل الدين، وبحسب تحقيقه يكون تحقيق الدين، وبه أرسل اللّه الرسل، وأنزل الكتب، وإليه دعا الرسول، وعليه جاهد، وبه أمر، وفيه رغب، وهو قطب الدين الذي تدور عليه رحاه. والشرك غالب على النفوس، وهو كما جاء في الحديث: (وهو في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل)، وفي حديث آخر: قال أبو بكر: يا رسول اللّه، كيف ننجو منه وهو أخفى من دبيب النمل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (ألا أعلمك كلمة إذا قلتها نجوت من دقه وجله ؟ قل: اللّهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم). وكان عمر يقول في دعائه: اللّهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا. فبين صلى الله عليه وسلم أن الحرص على المال، والشرف في فساد الدين، لا ينقص عن فساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم، وذلك بين، فإن الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص، وذلك أن القلب إذا ذاق حلاوة عبوديته للّه، ومحبته له لم يكن شيء أحب إليه من ذلك حتى يقدمه عليه، وبذلك يصرف عن أهل الإخلاص للّه السوء والفحشاء، كما قال تعالى: فإن المخلص للّه ذاق من حلاوة عبوديته للّه ما يمنعه عن عبوديته لغيره، ومن حلاوة محبته للّه ما يمنعه عن محبة غيره؛ إذ ليس عند القلب لا أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا ألين، ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته للّه، ومحبته له، وإخلاصه الدين له، وذلك يقتضى انجذاب القلب إلى اللّه فيصير القلب منيبًا إلى اللّه خائفًا منه راغبًا راهبًا، كما قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 33]، إذ المحب يخاف من زوال مطلوبه وحصول / مرغوبه، فلا يكون عبد اللّه ومحبه إلا بين خوف ورجاء، قال تعالى: وإذا كان العبد مخلصًا له اجتباه ربه فيحيى قلبه، واجتذبه إليه فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء، ويخاف من حصول ضد ذلك، بخلاف القلب الذي لم يخلص للّه، فإنه في طلب وإرادة وحب مطلق، فيهوى ما يسنح له ويتشبث بما يهواه، كالغصن أي نسيم مر بعطفه أماله. فتارة تجتذبه الصور المحرمة وغير المحرمة، فيبقى أسيرًا عبدًا لمن لو اتخذه هو عبدًا له، لكان ذلك عيبًا ونقصًا وذمًا. وتارة يجتذبه الشرف والرئاسة، فترضيه الكلمة وتغضبه الكلمة ويستعبده من يثنى عليه ولو بالباطل، ويعادي من يذمه ولو بالحق، وتارة يستعبده الدرهم والدينار، وأمثال ذلك من الأمور التي تستعبد القلوب، والقلوب تهواها فيتخذ إلهه هواه ويتبع هواه بغير هدى من اللّه. ومن لم يكن خالصًا للّه عبدًا له قد صار قلبه معبدًا لربه وحده لا شريك له، بحيث يكون اللّه أحب إليه من كل ما سواه، ويكون ذليلًا له خاضعًا وإلا استعبدته الكائنات، واستولت على قلبه الشياطين، وكان من الغاوين إخوان الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا اللّه، وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه، فالقلب إن لم يكن حنيفًا مقبلًا على اللّه معرضًا عما / سواه وإلا كان مشركًا، قال تعالى: وقد جعل اللّه ـ سبحانه ـ إبراهيم وآل إبراهيم أئمة لهؤلاء الحنفاء المخلصين أهل محبة اللّه وعبادته وإخلاص الدين له، كما جعل فرعون وآل فرعون أئمة المشركين المتبعين أهواءهم. قال تعالى في إبراهيم: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 72، 73]، وقال في فرعون وقومه: ولهذا يصير أتباع فرعون أولًا إلى ألا يميزوا بين ما يحبه اللّه ويرضاه، وبين ما قدر اللّه وقضاه، بل ينظرون إلى المشيئة المطلقة الشاملة، ثم في آخر الأمر لا يميزون بين الخالق والمخلوق، بل يجعلون وجود هذا وجود هذا، ويقول محققوهم: الشريعة فيها طاعة ومعصية، والحقيقة فيها معصية بلا طاعة، والتحقيق ليس فيه طاعة ولا معصية، وهذا تحقيق مذهب فرعون وقومه الذين أنكروا الخالق وأنكروا تكليمه لعبده موسى وما أرسله به من الأمر والنهي. /وأما إبراهيم، وآل إبراهيم الحنفاء، والأنبياء فهم يعلمون أنه لابد من الفرق بين الخالق والمخلوق، ولابد من الفرق بين الطاعة والمعصية. وأن العبد كلما ازداد تحقيقًا ازدادت محبته للّه وعبوديته له وطاعته له وإعراضه عن عبادة غيره ومحبة غيره وطاعة غيره. وهؤلاء المشركون الضالون يسوون بين اللّه وبين خلقه. والخليل يقول: مثال ذلك اسم الفناء، فإن الفناء ثلاثة أنواع: نوع للكاملين من الأنبياء والأولياء، ونوع للقاصدين من الأولياء والصالحين، ونوع للمنافقين الملحدين المشبهين. فأما الأول: فهو الفناء عن إرادة ما سوى اللّه، بحيث لا يحب إلا اللّه، ولا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يطلب غيره، وهو المعنى الذي يجب أن يقصد بقول الشيخ أبى يزيد حيث قال: أريد ألا أريد إلا ما يريد. أي المراد المحبوب المرضي، وهو المراد بالإرادة الدينية وكمال العبد ألا يريد ولا يحب ولا يرضى إلا ما أراده اللّه ورضيه وأحبه، وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب، ولا يحب إلا ما يحبه اللّه كالملائكة والأنبياء والصالحين. وهذا معنى قولهم في قوله: وأما النوع الثاني: فهو الفناء عن شهود السوى، وهذا يحصل لكثير من السالكين، فإنهم لفرط انجذاب قلوبهم إلى ذكر اللّه وعبادته ومحبته وضعف قلوبهم عن أن تشهد غير ما تعبد وترى غير ما تقصد، لا يخطر بقلوبهم غير اللّه، بل ولايشعرون، كما قيل في قوله: فإذا قوى على صاحب الفناء هذا ، فإنه يغيب بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته، حتى يفنى من لم يكن، وهي المخلوقات المعبدة ممن سواه، ويبقى من لم يزل وهو الرب تعالى، والمراد فناؤها في شهود العبد وذكره، وفناؤه عن أن يدركها أو يشهدها. وإذا قوى هذا ضعف المحب حتى اضطرب في تمييزه فقد يظن أنه هو محبوبه، كما يذكر: أن رجلًا ألقى نفسه في اليم فألقى محبه نفسه خلفه، فقال: أنا وقعت فما أوقعك خلفي؟ قال: غبت بك عني، فظننت أنك أني . /وهذا الموضع زل فيه أقوام، وظنوا أنه اتحاد، وأن المحب يتحد بالمحبوب حتى لا يكون بينهما فرق في نفس وجودهما، وهذا غلط، فإن الخالق لا يتحد به شيء أصلا، بل لا يتحد شيء بشيء إلا إذا استحالا وفسدا وحصل من اتحادهما أمر ثالث لا هو هذا ولا هذا، كما إذا اتحد الماء واللبن، والماء والخمر، ونحو ذلك، ولكن يتحد المراد والمحبوب والمكروه ويتفقان في نوع الإرادة والكراهة، فيحب هذا ما يحب هذا. ويبغض هذا ما يبغض هذا، ويرضى ما يرضى، ويسخط ما يسخط، ويكره ما يكره، ويوالي من يوالي، ويعادي من يعادي، وهذا الفناء كله فيه نقص. وكذلك صار في شيوخ الصوفية، من يعرض له من الفناء والسكر، ما / يضعف معه تمييزه، حتى يقول في تلك الحال من الأقوال ما إذا صحا عرف أنه غالط فيه، كما يحكى نحو ذلك، عن مثل أبى يزيد، وأبي الحسين النوري، وأبى بكر الشبلي وأمثالهم. بخلاف أبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي ، والفضيل بن عياض، بل وبخلاف الجنيد وأمثالهم، ممن كانت عقولهم وتمييزهم يصحبهم في أحوالهم فلا يقعون في مثل هذا الفناء والسكر ونحوه، بل الكمل تكون قلوبهم ليس فيـها سوى محبة اللّه وإرادته وعبادته، وعندهم من سعة العلم والتمييز ما يشهدون الأمور على ما هي عليه، بل يشهدون المخلوقات قائمة بأمر اللّه مدبرة بمشيئته، بل مستجيبة له قانتة له، فيكون لهم فيها تبصرة وذكـرى، ويكون ما يشهـدونه من ذلك مؤيـدًا، وممـدًا لما في قلوبهم من إخلاص الدين، وتجريد التوحيد له، والعبادة له وحده لا شريك له. وهذه الحقيقة، التي دعا إليها القرآن، وقام بها أهل تحقيق الإيمان، والكمل من أهل العرفان. ونبينا صلى الله عليه وسلم إمام هؤلاء وأكملهم؛ ولهذا لما عرج به إلى السموات، وعاين ما هنالك من الآيات وأوحى إليه ما أوحى من أنواع المناجاة أصبح فيهم وهو لم يتغير حاله، ولاظهر عليه ذلك، بخلاف ما كان يظهر على موسى من التغشي ـ صلى اللّه عليهم وسلم أجمعين. /وأما النوع الثالث: مماقد يسمى فناء ـ فهو أن يشهد أن لا موجود إلا اللّه، وأن وجود الخالق هو وجود المخلوق، فلا فرق بين الرب والعبد، فهذا فناء أهل الضلال والإلحاد الواقعين في الحلول والاتحاد. والمشائخ المستقيمون إذا قال أحدهم: ما أرى غير اللّه، أولا أنظر إلى غير اللّه، ونحو ذلك، فمرادهم بذلك ما أرى ربا غيره، ولا خالقًا غيره، ولا مدبرًا غيره، ولا إلها غيره، ولا أنظر إلى غيره محبة له، أو خوفًا منه، أو رجاء له، فإن العين تنظر إلى ما يتعلق به القلب، فمن أحب شيئًا، أو رجاه أو خافه التفت إليه، وإذا لم يكن في القلب محبة له، ولا رجاء له، ولا خوف منه، ولا بغض له، ولا غير ذلك من تعلق القلب له لم يقصد القلب أن يلتفت إليه، ولا أن ينظر إليه ولا أن يراه وإن رآه اتفاقًا، رؤية مجردة كان كما لو رأى حائطًا، ونحوه مما ليس في قلبه تعلق به. والمشائخ الصالحون ـ رضي اللّه عنهم ـ يذكرون شيئًا من تجريد التوحيد، وتحقيق إخلاص الدين كله، بحيث لا يكون العبد ملتفتًا إلى غير اللّه ولا ناظرًا إلى ما سواه: لاحبًا له، ولا خوفًا منه، ولا رجاء له بل يكون القلب فارغًا من المخلوقات خاليًا منها لا ينظر إليها إلا بنور اللّه، فبالحق يسمع، وبالحق يبصر، وبالحق يبطش، وبالحق يمشي، فيحب منها ما يحبه اللّه، ويبغض منها ما يبغضه اللّه، ويوالي منها ما والاه اللّه، ويعادي منها ما عاداه / اللّه، ويخاف اللّه فيها، ولا يخافها في اللّه، ويرجو اللّه فيها، ولا يرجوها في اللّه، فهذا هو القلب السليم، الحنيف، الموحد، المسلم، المؤمن، العارف، المحقق، الموحد بمعرفة الأنبياء والمرسلين، وبحقيقتهم وتوحيدهم. وأما النوع الثالث: وهو الفناء في الموجود، فهو تحقيق آل فرعون، ومعرفتهم وتوحيدهم كالقرامطة وأمثالهم. وهذا النوع الذي عليه أتباع الأنبياء هو الفناء المحمود، الذي يكون صاحبه به ممن أثنى اللّه عليهم من أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين، وجنده الغالبين. وليس مراد المشائخ، والصالحين، بهذا القول أن الذي أراه بعيني من المخلوقات، هو رب الأرض والسموات، فإن هذا لا يقوله إلا من هو في غاية الضلال والفساد، إما فساد العقل، وإما فساد الاعتقاد. فهو متردد بين الجنون والإلحاد. وكل المشائخ الذين يقتدي بهم في الدين متفقون على ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، من أن الخالق ـ سبحانه ـ مباين للمخلوقات، وليس في مخلوقاته شىء من ذاته، ولا في ذاته شىء من مخلوقاته، وأنه يجب إفراد القديم عن الحادث، وتمييز الخالق عن المخلوق. وهذا في كلامهم / أكثر من أن يمكن ذكره هنا. وهم قد تكلموا على ما يعرض للقلوب من الأمراض والشبهات، وأن بعض الناس قد يشهد وجود المخلوقات، فيظنه خالق الأرض والسموات، لعدم التمييز والفرقان في قلبه، بمنزلة من رأى شعاع الشمس، فظن أن ذلك هو الشمس التي في السماء. وهم قد يتكلمون في الفرق، والجمع، ويدخل في ذلك من العبارات الملفتة نظير ما دخل في الفناء، فإن العبد إذا شهد التفرقة والكثرة في المخلوقات يبقى قلبه متعلقًا بها، متشتتًا ناظرًا إليها متعلقًا بها، إما محبة، وإما خوفًا، وإما رجاء، فإذا انتقل إلى الجمع اجتمع قلبه على توحيد اللّه وعبادته وحده لا شريك له، فالتفت قلبه إلى اللّه بعد التفاته إلى المخلوقين فصارت محبته لربه، وخوفه من ربه، ورجاؤه لربه، واستعانته بربه، وهو في هذا الحال قد لا يسع قلبه النظر إلى المخلوق؛ ليفرق بين الخالق والمخلوق. فقد يكون مجتمعًا على الحق معرضًا عن الخلق نظرًا وقصدًا وهو نظير النوع الثاني من الفناء. ولكن بعد ذلك الفرق الثاني وهو: أن يشهد أن المخلوقات قائمة باللّه، مدبرة بأمره ويشهد كثرتها معدومة بوحدانية اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ وأنه ـ سبحانه ـ رب المصنوعات، وإلهها وخالقها، ومالكها، فيكون مع اجتماع قلبه على اللّه ـ إخلاصًا له ومحبة وخوفًا ورجاء واستعانة وتوكلا على اللّه وموالاة فيه، ومعاداة فيه وأمثال ذلك ـ ناظرًا إلى الفرق بين الخالق والمخلوق مميزًا / بين هذا وهذا، يشهد تفرق المخلوقات، وكثرتها مع شهادته أن اللّه رب كل شيء، ومليكه، وخالقه، وأنه هو اللّه لا إله إلا هو، وهذا هو الشهود الصحيح المستقيم، وذلك واجب، في علم القلب، وشهادته، وذكره، ومعرفته، في حال القلب، وعبادته، وقصده، وإرادته، ومحبته، وموالاته، وطاعته. وذلك تحقيق شهادة أن لا إله إلا اللّه، فإنه ينفي عن قلبه ألوهية ما سوى الحق، ويثبت في قلبه ألوهية الحق، فيكون نافيًا لألوهية كل شيء من المخلوقات، مثبتًا لألوهية رب العالمين رب الأرض والسموات، وذلك يتضمن اجتماع القلب على اللّه، وعلى مفارقة ما سواه، فيكون مفرقًا في علمه وقصده في شهادته، وإرادته في معرفته ومحبته بين الخالق والمخلوق، بحيث يكون عالمًا باللّه ـ تعالى ـ ذاكرًا له عارفًا به، وهو مع ذلك عالم بمباينته لخلقه، وانفراده عنهم، وتوحده دونهم، ويكون محبًا للّه، معظمًا له، عابدًا له، راجيًا له خائفًا منه، مواليًا فيه، معاديًا فيه، مستعينًا به، متوكلًا عليه، ممتنعًا عن عبادة غيره، والتوكل عليه، والاستعانة به، والخوف منه، والرجاء له، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والطاعة لأمره، وأمثال ذلك، مما هو من خصائص إلهية اللّه ـ سبحانه وتعالى. وإقراره بألوهية اللّه ـ تعالى ـ دون ما سواه يتضمن إقراره بربوبيته، وهو أنه رب كل شيء ومليكه، وخالقه، ومدبره، فحينئذ يكون موحدًا للّه. ويبين ذلك أن أفضل الذكر: لا إله إلا اللّه، كما رواه الترمذي وابن أبي / الدنيا، وغيرهما مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الذكر: لا إله إلا اللّه، وأفضل الدعاء: الحمد للّه)، وفي الموطأ ـ وغيره ـ عن طلحة بن عبد اللّه بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير). ومن زعم أن هذا ذكر العامة، وأن ذكر الخاصة هو الاسم المفرد، وذكر خاصة الخاصة، هو الاسم المضمر، فهم ضالون غالطون. واحتجاج بعضهم على ذلك، بقوله: وأما الاسم المفرد، مظهرًا، أو مضمرًا، فليس بكلام تام، ولا جملة مفيدة، ولا يتعلق به إيمان، ولا كفر، ولا أمر، ولا نهي، ولم يذكر ذلك أحد من سلف الأمة، ولا شرع ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة، ولا حالًا نافعًا، وإنما يعطيه تصورًا مطلقًا، لا يحكم عليه بنفي ولا إثبات، فإن لم يقترن به من معـرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه / وإلا لم يكن فيه فائدة. والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه، لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره. وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنون من الإلحاد، وأنواع من الاتحاد، كما قد بسط في غير هذا الموضع. وما يذكر عن بعض الشيوخ من أنه قال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات. حال لا يقتدى فيها بصاحبها، فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به. إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه، إذ الأعمال بالنيات، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا اللّه، وقال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة) ولو كان ما ذكره محذورًا لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتًا غير محمود، بل كان يلقن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد. والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنة،وأدخل في البدعة وأقرب إلى إضلال الشيطان،فإن من قال: يا هو يا هو، أو: هو هو. ونحو ذلك لم يكن الضمير عائدًا إلا إِلى ما يصوره قلبه، والقلب قد يهتدي وقد يضل،وقد صنف صاحب [الفصوص] كتابًا سماه كتاب [الهو] وزعم بعضهم أن قوله: ثم كثيرًا ما يذكر بعض الشيوخ أنه يحتج على قول القائل: [اللّه] بقوله: ومما يبين ما تقدم: ما ذكره سيبويه وغيره من أئمة النحو أن العرب يحكون بالقول ما كان كلامًا، لا يحكون به ما كان قولًا، فالقول لا يحكى به إلا كلام تام، أو جملة اسمية أو فعلىة؛ ولهذا يكسرون أن إذا جاءت بعد القول، فالقول لا يحكى به اسم، واللّه ـ تعالى ـ لا يأمر أحدًا بذكر اسم مفرد، ولا شرع للمسلمين اسمًا مفردًا مجردًا، والاسم المجرد لا يفيد الإيمان / باتفاق أهل الإسلام، ولا يؤمر به في شيء من العبادات، ولا في شيء من المخاطبات. ونظير من اقتصر على الاسم المفرد ما يذكر أن بعض الأعراب مر بمؤذن يقول: [أشهد أن محمدًا رسول اللّه] بالنصب فقال: ماذا يقول هذا؟ هذا الاسم فأين الخبر عنه الذي يتم به الكلام؟ وما في القرآن من قوله: فتسبيح اسم ربه الأعلى وذكر اسم ربه، ونحو ذلك هو بالكلام التام المفيد، كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الكلام بعد القرآن أربع ـ وهن من القرآن ـ: سبحان /اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر)، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان اللّه وبحمده، سبحان اللّه العظيم)، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال في يومه مائة مرة: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كتب اللّه له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل قـال مثل ما قال أو زاد عليه. ومـن قال في يومـه مائة مـرة: سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم، حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)، وفي الموطأ وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). وفي سنن ابن ماجه وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الذكر لا إله إلا اللّه، وأفضل الدعاء الحمد للّه). ومثل هذه الأحاديث كثيرة في أنواع ما يقال من الذكر والدعاء. وكذلك ما في القرآن من قوله تعالى: ومن الناس من يضمر في مثل هذا ابتدائي بسم اللّه، أو ابتدأت بسم اللّه. والأول أحسن؛ لأن الفعل كله مفعول بسم اللّه، ليس مجرد ابتدائه، كما أظهر المضـمر في قــوله: وكذلك ما شرع للمسلمين في صلاتهم وأذانهم، وحجهم وأعيادهم من ذكر اللّه تعالى إنما هو بالجملة التامة. كقول المؤذن: اللّه أكبر، اللّه / أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهد أن محمدًا رسول اللّه، وقول المصلي: الله أكبر، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، سمع اللّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد، التحيات للّه، وقول الملبي: لبيك اللّهم لبيك، وأمثال ذلك، فجميع ما شرعه اللّه من الذكر إنما هو كلام تام، لا اسم مفرد لا مظهر ولا مضمر، وهذا هو الذي يسمى في اللغة كلمة، كقوله: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم)، وقوله: (أفضل كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ماخلا اللّه باطل)، ومنه قوله تعالى: وقسم سيبويه الكلام إلى اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى، ليس باسم وفعل، وكل من هذه الأقسام يسمى حرفًا، لكن خاصة الثالث أنه حرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل، وسمى حروف الهجاء باسم الحرف وهي أسماء، ولفظ الحرف يتناول هذه الأسماء وغيرها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف/ عشر حسنات: أما أني لا أقول: {الــم} حرف، ولكن ألف حرف،ولام حرف، وميم حرف)، وقد سأل الخليل أصحابه عن النطق بحرف الزاي من زيد فقالوا: زاي، فقال: جئتم بالاسم، وإنما الحرف [ز]. ثم إن النحاة اصطلحوا على أن هذا المسمى في اللغة بالحرف يسمى كلمة، وأن لفظ الحرف يخص لما جاء لمعنى، ليس باسم ولا فعل، كحروف الجر ونحوها، وأما ألفاظ حروف الهجاء فيعبر تارة بالحرف عن نفس الحرف من اللفظ، وتارة باسم ذلك الحرف، ولما غلب هذا الاصطلاح صار يتوهم من اعتاده أنه هكذا في لغة العرب، ومنهم من يجعل لفظ الكلمة في اللغة لفظًا مشتركًا بين الاسم مثلا وبين الجملة، ولا يعرف في صريح اللغة من لفظ الكلمة إلا الجملة التامة. والمقصود هنا أن المشروع في ذكر الّله ـ سبحانه ـ هو ذكره بجملة تامة وهو المسمى بالكلام، والواحد منه بالكلمة، وهو الذي ينفع القلوب، ويحصل به الثواب والأجر، والقرب إلى اللّه ومعرفته ومحبته وخشيته، وغير ذلك من المطالب العالية والمقاصد السامية، وأما الاقتصار على الاسم المفرد مظهرًا أو مضمرًا فلا أصل له. فضلا عن أن يكون من ذكر الخاصة والعارفين، بل هو وسيلة إلى أنواع من البدع والضلالات وذريعة إلى تصورات أحوال فاسدة من أحوال أهل الإلحاد، وأهل الاتحاد، كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع. /وجماع الدين أصلان: ألا نعبد إلا اللّه، ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع، كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وذلك تحقيق الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وشهادة أن محمدًا رسول اللّه. ففي الأولى: ألا نعبد إلا إياه، وفي الثانية: أن محمدًا هو رسوله المبلغ عنه، فعلىنا أن نصدق خبره ونطيع أمره، وقد بين لنا ما نعبد اللّه به، ونهانا عن محدثات الأمور، وأخبر أنها ضلالة، قال تعالى: كما أنا مأمورون ألا نخاف إلا اللّه ولا نتوكل إلا على اللّه، ولا نرغب إلا إلى اللّه، ولا نستعين إلا باللّه، وألا تكون عبادتنا إلا للّه، فكذلك نحن مأمورون أن نتبع الرسول ونطيعه ونتأسى به، فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، قال تعالى: ثم قال: فجعل العبادة والخشية والتقوى للّه، وجعل الطاعة والمحبة للّه ورسوله، كما في قول نوح ـ عليه السلام ـ: {أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِي} [نوح: 3]، وقوله: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]، وأمثال ذلك. فالرسل أمروا بعبادته وحده والرغبة إليه والتوكل عليه،والطاعة لهم، فأضل الشيطان النصارى، وأشباههم فأشركوا باللّه، وعصوا الرسول، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم، فجعلوا يرغبون إليهم ويتوكلون عليهم ويسألونهم، مع معصيتهم لأمرهم ومخالفتهم لسنتهم، وهدى اللّه المؤمنين المخلصين للّه أهل الصراط المستقيم، الذين عرفوا الحق واتبعوه، / فلم يكونوا من المغضوب عليهم ولا الضالين، فأخلصوا دينهم للّه، وأسلموا وجوههم للّه، وأنابوا إلى ربهم، وأحبوه ورجوه وخافوه،وسألوه ورغبوا إليه وفوضوا أمورهم إليه وتوكلوا عليه، وأطاعوا رسله وعزروهم ووقروهم وأحبوهم ووالوهم واتبعوهم، واقتفوا آثارهم واهتدوا بمنارهم. وذلك هو دين الإسلام الذي بعث اللّه به الأولين والآخرين من الرسل، وهو الدين الذي لا يقبل اللّه من أحد دينًا إلا إياه، وهو حقيقة العبادة لرب العالمين. فنسأل اللّه العظيم أن يثبتنا عليه، ويكمله لنا ويميتنا عليه وسائر إخواننا المسلمين. والحمد للّه وحده، وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
|